--------------------------------------------------------------------------------
الدولة واركانها:
ان الحديث عن اعلان قيام دولة (اسلامية او غيرها) ما في مكان ما يسوق الباحث للحديث عن الدولة واركانها في التشريع الاسلامي ، وهل هذه الاركان تتشابه مع اركان اي دولة من الدول الاسلامية ام ان هناك فوارق بينهما.
تعريف الدولة:
لم يتفق علماء القانون على تعريف موحد لمفهوم الدولة ، اذ نجد لكل منهم تعريفا خاصا لها يختلف عن تعريف الاخرين فالفقيه (ديجي)يرى جواز اطلاق الدولة على كل تنظيم للجماعات السياسية في اي مجتمع من المجتمعات ولو كان هذا مجتمع بدائيا لتوافر وجود جماعة حاكمة واخرى محكومة خاضعة لاوامر الجماعة الحاكمة.
وهناك تعريفات كثيرة للدولة عند علماء القانون الدستوري ويرجع السبب في اختلافهم الى المعايير التي وضعوها لمفهوم الدولة:
فيعرفها الفقيه الفرنسي (كاريه دي ميللر) بانها مجموعة من الافراد مستقرة على اقليم معين ، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة سلطة عليا آمرة وقاهرة في مواجهة الافراد.
ويعرفها الفقيه السويسري (بلنتشي) بانها جماعة مستقلة من الافراد يعيشون بصفة مستمرة على ارض معينة ، بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة.
وعرفها الدكتور علي علي منصور بانها جماعة من الافراد يقيمون اقامة دائمة على قطعة من الارض ، وتتولى شؤونهم سلطة حاكمة تنظم امورهم في الداخل والخارج.
وهناك بعض الفقهاء لايرون اطلاق اسم الدولة الا بوجود نظام معين ، وان تكون متمتعة بالشخصية المعنوية ، وان تكون ذات سيادة وهذه الشروط ما يقول الدكتور علي علي منصور ما هي الا تفصيل للركن الثالث من اركان الدولة.
وبعد هذا العرض لمختلف الاتجاهات في تعريف الدولة نختار التعريف التالي للدولة فنقول:
انها مجموعة من الافراد يقطنون على سبيل الدوام والاستقرار اقليما معينا ويخضعون لسلطة سياسية حاكمة.
ونستخلص من التعريفات السابقة ان الاركان التي يتحقق بها وجود الدولة وقيامها تتكون من عناصر ثلاثة ، وقد كانت هذه العناصر الثلاثة تتمثل في الدولة الاسلامية منذ اول نشأتها ، وهذه العناصر هي:
1- السلطة : التي تدير امور الدولة وتتولى تنظيمها ، وسياسة شؤون شعبها.
2- الشعب او الامة : التي تدير السلطة امورها وتسوسها وترعى شؤونها.
3- الارض : التي يسكنها ذلك الشعب ويجري فيها حكم تلك السلطة.
اذن هذه هي اركان الدولة في الفقه الدستوري ، ولنا ان نتسائل هل يكفي لقيام الدولة الاسلامية توافر الاركان الاساسية للفقه الدستوري المعاصر من شعب واقليم وسلطة سياسية والتي بتوفرها يتحقق الركن المادي للدولة؟ ام ان هذا غير كاف لاسباغ هذا الوصف ؟ بحيث يتحتم ان تتحقق الى جانب هذه العناصر عناصر اخرى لكي توصف بكونها ((اسلامية)).
وللاجابة على هذا التساؤل نقول : انه من البديهي لو سلمنا بكفاية الاركان الثلاثة لوجود الدولة الاسلامية ، فان ذلك يؤدي الى نتيجة هامة هي ان الدولة الاسلامية مثلها مثل سائر الدول الوضعية لا تشذ عنها ولا توصف بانها ((اسلامية)) اما اذا لم يكن كافيا فان الامر يقتضي ان تتوفر الى جانب الاركان السابقة اركان اخرى بتوفرها يمكن ان توصف الدولة بانها ((اسلامية)) وهذه الاركان هي :
1- السلطة.
2- الشعب.
3- الاقليم.
وهذه هي الاركان الاساسية التي يكفي توفرها لكي يوصف المجتمع السياسي بانه دولة في الفقه الدستوري.
4- تحكيم الاسلام : وهذا الركن يشمل مجموعة من القواعد والاحكام المتعلقة بالعقيدة والتشريع الاسلامي والتي يتحدد بمقتضاها الاطار العام الذي يلتزم به المسلمون حكاما ومحكومين ويحدد نطاق السلطة العامة واهدافها وعلاقاتها سواء اكانت هذه العلاقات علاقات دولية في حالتي السلم والحرب او في حالة الحياد او كانت علاقة بين السلطات العامة في الدولة او كانت علاقة بين السلطات من ناحية وبين المحكومين مسلمين كانوا او غير مسلمين.
على ضوء ماتقدم يمكن وضع تعريف للدولة الاسلامية وهي : (( مجموعة من الافراد هم بحسب الغالب من المسلمين يعيشون على رقعة من الارض ويلتزمون التزاما تاما بالقواعد والاحكام والضوابط الالهية في نطاق العقيدة والتشريع والمبينة في مصادرها التفصيلية ويخضعون لسلطة سياسية تلتزم بالامتثال وكفالة تحقيق ما امر به الشارع )).
الركن الاول : السلطة او الولاية او الحكم :
هي صفة من يتولى سياسة الدولة وينظم شؤونها ، ويفصل في مشكلاتها وقضاياها وفي علاقات افراد شعبها وشؤون معاشهم وعمرانهم والدفاع عنهم وفي العلاقات بينهم وبين الدول والشعوب الاخرى.
والسلطات المخولة للهيئة الحاكمة يطلق عليها في عرف القانون الدولي لفظ السيادة ، والسيادة في القانون الدولي لها وجهان :
- الوجه الاول : السيادة الداخلية : وتعني حرية الدولة في التصرف بشؤونها الداخلية من حيث تنظيم الحكومة ومرافقها العامة وفرض سلطاتها على ما يوجد في اقاليمها من الاشخاص او الاشياء دون ان يحق لدولة او هيئة اخرى ان تنقص من سلطاتها على الاقليم.
- الوجه الثاني : السيادة الخارجية : ويقصد بها حرية الدولة في التصرف بادارة علاقاتها الدولية دون خضوعها في هذا الشأن لاي سلطة عليا.
والسيادة في عصر التنظيم الدولي مقيدة بقواعد القانون الدولي الملزمة للدول جميعا ولا تعتبر تلك القيود انتقاصا من سيادتها لانها عامة تشمل جميع الدول.
ويعتبر هذا الركن الاساسي من اركان الدولة ، اذ لا يمكن لدولة ان تطلق على نفسها اسم الدولة الا بعد ان تتكون فيها هيئة سياسية تمارس السلطة على الشعب الذي يسكن هذا الاقليم ، ولابد ان تكون السلطة داخلية ، فان كانت خارجية فعندئذ لا تعتبر الدولة مستقلة.
وقد اطلق على رئيس الدولة في النصوص الاسلامية لقب ((الامام)) بمعنى من يتولى الامارة والرياسة ، روى نافع عن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : من خلع يدا من طاعة امام لقي الله يوم القيامة لاحجة له.
وروى مسلم ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : الامام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به.
وقال (صلى الله عليه وسلم) : الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ، قالوا لمن يارسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ، ثم ظهر لقب (خليفة) اثر انتقال النبي صلى الله عليه وسلم واقبال الصحابة على من يخلفه في رئاسة المسلمين وقد استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم ، قال تعالى : يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض.
وقد كثرت تعاريف علماء المسلمين للخلافة منها : ما قاله ابن خلدون في مقدمته : هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة اليها.
وعرفها الماوردي بقوله : بانها خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بها واجب.
وعرفها التفتازي : بانها رياسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة احمد بن محمد المقري : قال بعضهم ولايقال خليفة الله بالاضافة الا لآدم ، وداوود لورود النص بذلك ، وقيل يجوز وهو القياس لان الله تعالى جعله خليفة كما جعله سلطانا ، وقد سمع سلطان الله ، وجنود الله ، وحزب الله ، وخيل الله.
ولكن المسلمين لم يستعملوا هذا التعبير ((خليفة الله)) ولم يخاطبوا به احد من الخلفاء ولايجوز استعمال هذا التعبير واشباهه لخطورة النتائج التي تتولد عنه حتى اننا لم نسمع احدا من الصحابة رضوان الله عليهم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بانه خليفة الله بل هو رسول الله فكيف يجوز ان يوصف من هو دونه. والصحيح عند جمهور الفقهاء انه لايقال خليفة الله فقد قيل لابي بكر يا خليفة الله ، فقال : لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واطلق كذلك تعبير ((امير المؤمنين)) على الحاكم في الدولة الاسلامية وهو تعبير قد استعمله المسلمون منذ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
يقال ان بريدا جاء بالفتح من بعض البعوث ، ودخل المدينة وسال عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فسمعه المسلمون واستحسنوه واصبحوا يطلقونه على الخليفة عمر بن الخطاب ثم توارثه الخلفاء بعد ذلك.
ومما تقدم يتبين لنا ان القاب ((الخليفة)) و ((الامام)) و((امير المؤمنين)) هي القاب تعطي معنى واحدا وهو اسم للحاكم في الدولة الاسلامية وهذه الرئاسة ليست وراثية وانما اختيار الخليفة شورى واختيار دون استبداد او اجبار.
يقول العلامة الشهرستاني :واعظم خلاف قام بين الامة خلاف الامامة اذ ما سل سيف في السلام على قاعدة دينية مثلما سل على الخلافة في كل زمان.
ويقول ابو حسن الاشعري : اختلف الناس بعد نبيهم في اشياء كثيرة فصاروا فرقا متباينين الا ان الاسلام جمعهم واول ماحدث من اختلاف بين المسلمين بعد نبيهم اختلافهم في الامامة.
طبعا هذا اخواني موضوع خطير والكاتب اخذ بعد ذلك يفصل خطورة هذا الموضوع لكني لم اقم بالنقل لانه ليس موضوعنا بالذات وجوب اتخاذ الخلافة لنبقى بالدولة ، واني هماتين ركبتي انكسرت من الكتابة.
الركن الثاني : الشعب :
فوجود الشعب او السكان هو الشرط الاساسي لوجود الدولة ، اذ لا يعقل ان تكون هناك دولة من غير الافراد او الجماعة البشرية التي تكون شعب هذه الدولة.
والشعب : مجموعة افراد من الذكور والاناث يقيمون بصفة دائمة على ارض الدولة.
اما الشعب بالمفهوم القانوني : فهو كل من يرتبط بالدولة برابط التبعية او الجنسية والتي من شانها انشاء التزامات متقابلة بين الفرد والدولة ويسميهم الدكتور عبد العزيز سرحان الوطنيين وهم الافراد الذين تربطهم بالدولة رابطة قانونية و سياسية تعرف بالجنسية.
ولا يعتبر كل من يقيم على ترض الدولة من رعاياها فقد يقيم في الدولة مع الوطنيين اغراب ليسوا من اهلها ، والجنسية هي المعيار الذي يميز الوطني عن الاجنبي ، ولذا درجت الدول على ان تصدر قانونا داخليا يسمى بقانون الجنسية الذي يحدد الوطنيين ويميزهم عن الاجانب.
ولا يشترط في الشعب ان يكون منحدرا من سلالة واحدة او من جنس واحد ، لان هذا غير ممكن في العصر الحديث لازدها حركة الهجرة بين البلاد مما يتعذر معه تكوين شعب من سلالة واحدة ، وكذا لا يشترط عدد معين في شعب الدولة فقد يكون الشعب كبيرا وقد يكون صغيرا.
واما الامة فهي جماعة من الناس تجمعهم وحدة نفسية ، واهداف مشتركة ويرتبطون فيما بينهم بعدة عوامل يختلف عددها واهميتها باختلاف كل جماعة كوحدة اللغة والتاريخ والثقافة والارض.
اما تعريفها بالمفهوم القانوني فهي مجموعة من الافراد نشا بينهم شعور مشترك وتجمعت ارادتهم واتجهت الى العيش معا ورغبوا وعملوا في اتجاه واحد الى مصير مشترك.
ولا يشترط في الامة الواحدة ان تكون منها دولة واحدة اذ كثيرا ما نجد امة مقسمة الى اكثر ن دولة بفعل عوامل خارجية عن ارادتها كالامة العربية.
ما ذكرناه سابقا هو مفهوم الشعب والامة في القوانين الوضعية المعاصرة اما الاسلام فقد جاء بمفهوم جديد وباطار جديد للشعب والامة.
فالشعب في الدولة الاسلامية يتكون من طائفتين رئيسيتين:
الطائفة الاولى : المسلمون .
الطائفة الثانية : غير المسلمين.
الركن الثالث : الاقليم :
يجب لوجود الدولة ان يستقر الافراد على رقعة من الارض يطلق عليها اسم اقليم ، وبدون الاقليم لاتنشأ دولة ، فوجود جماعة من الافراد مهما كان عددهم ومهما كان ارتباطهم واتحادهم ببعضهم البعض لا يكفي لنشوء الدولة مالم تستقر هذه الجماعة على رقعة معينة من الارض.
ويقصد بالاقليم مساحة من الارض تمارس عليها الحكومة صلاحيات تامة ، ويعرف الاقليم بانه : ذلك الجزء المحدد من الكرة الارضية الذي يخضع لسيادة الدولة.
ولا اهمية لمقدار تلك المساحة وطبيعتها ، ولكنه يشترط ان يكون هناك اقليم ثابت ، والاقليم يشمل الاقليم البري وما يتخلل هذا السطح من انهار او بحيرات وما يحيط به من بحار او محيطات ، كما يشمل ما يعلو الاقليم الارضي ، وهذا يشمل الاقليم الجوي.
واقليم الدولة قد يكون متصلا ببعضه البعض ، كما قد يكون مجزءا تتوسطه بحارا او دولا اجنبية – كباكستان قبل الانفصال والمانيا قبل عام 1940 – كما قد يكون اقليم الدولة فسيحا يتكون من ملايين الكيلومترات ، وقد يكون ضيقا لا يشمل الا رقعة ضيقة من الارض.
وتفصل كل دولة عن الاخرى حدود لها اهمية كبيرة ، اذ عندها تمارس الدولة صاحبة الاقليم سيادتها وسلطانها ، وتنتهي عندها سيادة غيرها من الدول بحيث لا يجوز لاي دولة ان تمارس مظاهر سيادتها الا وراء حدودها حيث تبدا بعدها سيادة الدول الاخرى.
هذا هو مفهوم الاقليم في نظر الدول المعاصرة ، اما في نظر الاسلام فقد اعتبر الاقليم اقليما اسلاميا اذا طبق عليه حكم الاسلام ، فالاقليم او الدار حسب اصطلاح علمائنا ياخذ حكم ما طبق عليه من انظمة ، يقول السرخسي : والحاصل عند ابي حنيفة رحمه الله تعالى انما تصير دارهم دار حرب بثلاث شرائط :
- احداها : ان تكون متاخمة ارض الشرك ليس بينها وبين ارض الحرب دار للمسلمين.
- والثاني : ان لايبقى بها مسلم آمن بايمانه ولا ذمي آمن بامانة.
- والثالث : ان يظهروا احكام الشرك فيها.
وعن ابي يوسف ومحمد رحمهما الله اذا اظهروا احكام الشرك فيها فقد صارت دار حرب لان البقعة تنسب لنا او لهم باعتبار القوة او الغلبة ، فكل موقع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الاسلام فالقوة فيه للمسلمين.
ولقد اشار القرآن الكريم الى الاقليم او الدار باعتبارها مقترنة مع الدين والقائمين بامر الدين وذلك في قوله تعالى : ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون)) ، فقرن القتال في الدين بالاخراج من الارض والديار.
وقد جعلها الله في اية اخرى مسوغة للقتال قال الله تعالى : ((قالوا ومالنا ان لانقاتل وقد اخرجنا من ديارنا)).
فكل ارض طبق عليها الاسلام تعتبر اقليما اسلاميا وعلى الدولة حمايتها بالقوة والسلاح ورد كل اعتداء عليها ، وعلى افراد الاقليم الاسلامي كذلك الدفاع عنه وهو فرض ديني عليهم.
ويسكن الاقليم الاسلامي المسلمون والمعاهدون الذين قبلوا المواطنة تحت حكم الدولة الاسلامية.
الركن الرابع : تحكيم الاسلام :
اما الدولة الاسلامية فانها تقوم على كيانين / الاول مادي ويشمل الشعب والسلطة والاقليم ، والثاني روحي ويتمثل في مجموعة القواعد والاحكام المتعلقة بالعقيدة والتشريع التي فرضها الشارع ، وهذا الكيان ليس كيانا مستقلا بذاته بل يكون مع الكيان المادي بناء متمسكا متميزا يسمى الدولة الاسلامية.
والدولة الاسلامية تتميز بانها دولة قرآنية اي انها خاضعة للقرآن وهو الكتاب الذي انزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن هو دستور الدولة الاسلامية الاعلى يحكم تصرفاتها ويحدد حقوقها وواجباتها بصفة عامة ويرسم لها الخطوط والمناهج العامة التي لا يصح لها ان تتعداها ويدع لها ما دون ذلك من المناهج والتفصيلات.
والقرآن الكريم سبق المجتمع والدولة ، فقد وجدت الدولة لتطبيق هذا الشرع السماوي فاذا اخفقت الدولة في تطبيق هذا الشرع فانها تفقد علة وجودها.
وقيام الدولة الاسلامية من حيث اساسها التكويني على القرآن الكريم يجعل لها وضعية متميزة بين اشكال الدول في المجتمعات السياسية الاخرى ، وبمقتضى ذلك لا يجوز لنا عند البحث عن طبيعة الدولة في النظام الاسلامي ان نشبهها او يطلق عليها وصفا او اصطلاحا من الاوصاف او الاصطلاحات التي تعارف عليها واضعوا القانون الوضعي كالديمقراطية او الاشتراكية او الراسمالية او غير ذلك.
ووفقا لما سبق نقول ان الحكومة الاسلامية فريدة في نوعها متميزة عن غيرها ، وانها تختلف عن كل حكومة موجودة في العالم الان وعن كل حكومة وجدت من قبل ، فهي مقيدة باتخاذ القرآن دستورا لها وملزمة بالنزول على احكامه ، فهي بذلك ليست من الحكومات المستبدة كما انها ليست من الحكومات القانونية لان الحكومات القانونية تخضع لقوانين وانظمة يضعها البشر ، وهم متاثرون باهوائهم وشهواتهم.
ولقد حاول البعض ان يطلق على النظام الاسلامي اسماء حديثة وظنوا ان في ذلك تعزيزا لامر السلام واعلاء لشانه ، من ذلك انهم اطلقوا على الدولة الاسلامية اسماء الديمقراطية والاشتراكية والامبراطورية وحكومة رجال الدين ، وهناك ملاحظات يبدو ان الواجب توجيه النظر اليها :
1- ليس مما يرفع شان الاسلام ان تطبق عليه مثل هذه الاسماء لا ن الدولة الاسلامية كما ذكرنا لها نظام متميز مستقل ولها انظمتها في السياسة والحكم وما تستطيع ان تفاخر به سائر الانظمة التي عرفها الانسان.
2- اذا حدث ان اتفق النظام السياسي الاسلامي مع هذا النظام او ذاك فليس معناه ان يكون الاسلام هو هذا النظام او ذاك ، فاذا اتفق النظام السياسي الاسلامي مع النظام الديمقراطي فلا يصح ان نقول ان النظام الاسلامي نظام ديمقراطي لان الديمقراطية مالايتفق مع مبادئ الاسلام.
واذا كان النظام الجمهوري يشبه النظام الاسلامي من حيث اختيار الرئيس الاعلى للجمهورية فانه لايوجد اي نظام جمهوري يسمح بانتخاب رئيس الدولة مدى الحياة كما يسمح النظام الاسلامي.
وكذلك اطلق بعض الكتاب على النظام الاسلامي اسم الاشتراكية الاسلامية وما يقال بالنسبة للديمقراطية يمكن ان يقال بالنسبة للاشتراكية ، فاذا كان القصد ان النظام الاسلامي نظام اشتراكي كامل فان هذا القول مرفوض لان الاشتراكية مصطلح حين يطلق يقصد به نظرة خاصة للكون والحياة والاسلام يخالف الاشتراكية لان له نظرة خاصة به للانسان والكون والحياة.
وعلى ذلك فالدولة الاسلامية ليست دولة ديمقراطية او اشتراكية او راسمالية وانما هي في كلمة موجزة وحاسمة ((دولة اسلامية)) ولايجوز ان نطلق عليها سوى هذا الاصطلاح.
اخواني اي خطأ املائي اعذروني عليه ونبهوني
الحمد لله
الدولة واركانها:
ان الحديث عن اعلان قيام دولة (اسلامية او غيرها) ما في مكان ما يسوق الباحث للحديث عن الدولة واركانها في التشريع الاسلامي ، وهل هذه الاركان تتشابه مع اركان اي دولة من الدول الاسلامية ام ان هناك فوارق بينهما.
تعريف الدولة:
لم يتفق علماء القانون على تعريف موحد لمفهوم الدولة ، اذ نجد لكل منهم تعريفا خاصا لها يختلف عن تعريف الاخرين فالفقيه (ديجي)يرى جواز اطلاق الدولة على كل تنظيم للجماعات السياسية في اي مجتمع من المجتمعات ولو كان هذا مجتمع بدائيا لتوافر وجود جماعة حاكمة واخرى محكومة خاضعة لاوامر الجماعة الحاكمة.
وهناك تعريفات كثيرة للدولة عند علماء القانون الدستوري ويرجع السبب في اختلافهم الى المعايير التي وضعوها لمفهوم الدولة:
فيعرفها الفقيه الفرنسي (كاريه دي ميللر) بانها مجموعة من الافراد مستقرة على اقليم معين ، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة سلطة عليا آمرة وقاهرة في مواجهة الافراد.
ويعرفها الفقيه السويسري (بلنتشي) بانها جماعة مستقلة من الافراد يعيشون بصفة مستمرة على ارض معينة ، بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة.
وعرفها الدكتور علي علي منصور بانها جماعة من الافراد يقيمون اقامة دائمة على قطعة من الارض ، وتتولى شؤونهم سلطة حاكمة تنظم امورهم في الداخل والخارج.
وهناك بعض الفقهاء لايرون اطلاق اسم الدولة الا بوجود نظام معين ، وان تكون متمتعة بالشخصية المعنوية ، وان تكون ذات سيادة وهذه الشروط ما يقول الدكتور علي علي منصور ما هي الا تفصيل للركن الثالث من اركان الدولة.
وبعد هذا العرض لمختلف الاتجاهات في تعريف الدولة نختار التعريف التالي للدولة فنقول:
انها مجموعة من الافراد يقطنون على سبيل الدوام والاستقرار اقليما معينا ويخضعون لسلطة سياسية حاكمة.
ونستخلص من التعريفات السابقة ان الاركان التي يتحقق بها وجود الدولة وقيامها تتكون من عناصر ثلاثة ، وقد كانت هذه العناصر الثلاثة تتمثل في الدولة الاسلامية منذ اول نشأتها ، وهذه العناصر هي:
1- السلطة : التي تدير امور الدولة وتتولى تنظيمها ، وسياسة شؤون شعبها.
2- الشعب او الامة : التي تدير السلطة امورها وتسوسها وترعى شؤونها.
3- الارض : التي يسكنها ذلك الشعب ويجري فيها حكم تلك السلطة.
اذن هذه هي اركان الدولة في الفقه الدستوري ، ولنا ان نتسائل هل يكفي لقيام الدولة الاسلامية توافر الاركان الاساسية للفقه الدستوري المعاصر من شعب واقليم وسلطة سياسية والتي بتوفرها يتحقق الركن المادي للدولة؟ ام ان هذا غير كاف لاسباغ هذا الوصف ؟ بحيث يتحتم ان تتحقق الى جانب هذه العناصر عناصر اخرى لكي توصف بكونها ((اسلامية)).
وللاجابة على هذا التساؤل نقول : انه من البديهي لو سلمنا بكفاية الاركان الثلاثة لوجود الدولة الاسلامية ، فان ذلك يؤدي الى نتيجة هامة هي ان الدولة الاسلامية مثلها مثل سائر الدول الوضعية لا تشذ عنها ولا توصف بانها ((اسلامية)) اما اذا لم يكن كافيا فان الامر يقتضي ان تتوفر الى جانب الاركان السابقة اركان اخرى بتوفرها يمكن ان توصف الدولة بانها ((اسلامية)) وهذه الاركان هي :
1- السلطة.
2- الشعب.
3- الاقليم.
وهذه هي الاركان الاساسية التي يكفي توفرها لكي يوصف المجتمع السياسي بانه دولة في الفقه الدستوري.
4- تحكيم الاسلام : وهذا الركن يشمل مجموعة من القواعد والاحكام المتعلقة بالعقيدة والتشريع الاسلامي والتي يتحدد بمقتضاها الاطار العام الذي يلتزم به المسلمون حكاما ومحكومين ويحدد نطاق السلطة العامة واهدافها وعلاقاتها سواء اكانت هذه العلاقات علاقات دولية في حالتي السلم والحرب او في حالة الحياد او كانت علاقة بين السلطات العامة في الدولة او كانت علاقة بين السلطات من ناحية وبين المحكومين مسلمين كانوا او غير مسلمين.
على ضوء ماتقدم يمكن وضع تعريف للدولة الاسلامية وهي : (( مجموعة من الافراد هم بحسب الغالب من المسلمين يعيشون على رقعة من الارض ويلتزمون التزاما تاما بالقواعد والاحكام والضوابط الالهية في نطاق العقيدة والتشريع والمبينة في مصادرها التفصيلية ويخضعون لسلطة سياسية تلتزم بالامتثال وكفالة تحقيق ما امر به الشارع )).
الركن الاول : السلطة او الولاية او الحكم :
هي صفة من يتولى سياسة الدولة وينظم شؤونها ، ويفصل في مشكلاتها وقضاياها وفي علاقات افراد شعبها وشؤون معاشهم وعمرانهم والدفاع عنهم وفي العلاقات بينهم وبين الدول والشعوب الاخرى.
والسلطات المخولة للهيئة الحاكمة يطلق عليها في عرف القانون الدولي لفظ السيادة ، والسيادة في القانون الدولي لها وجهان :
- الوجه الاول : السيادة الداخلية : وتعني حرية الدولة في التصرف بشؤونها الداخلية من حيث تنظيم الحكومة ومرافقها العامة وفرض سلطاتها على ما يوجد في اقاليمها من الاشخاص او الاشياء دون ان يحق لدولة او هيئة اخرى ان تنقص من سلطاتها على الاقليم.
- الوجه الثاني : السيادة الخارجية : ويقصد بها حرية الدولة في التصرف بادارة علاقاتها الدولية دون خضوعها في هذا الشأن لاي سلطة عليا.
والسيادة في عصر التنظيم الدولي مقيدة بقواعد القانون الدولي الملزمة للدول جميعا ولا تعتبر تلك القيود انتقاصا من سيادتها لانها عامة تشمل جميع الدول.
ويعتبر هذا الركن الاساسي من اركان الدولة ، اذ لا يمكن لدولة ان تطلق على نفسها اسم الدولة الا بعد ان تتكون فيها هيئة سياسية تمارس السلطة على الشعب الذي يسكن هذا الاقليم ، ولابد ان تكون السلطة داخلية ، فان كانت خارجية فعندئذ لا تعتبر الدولة مستقلة.
وقد اطلق على رئيس الدولة في النصوص الاسلامية لقب ((الامام)) بمعنى من يتولى الامارة والرياسة ، روى نافع عن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : من خلع يدا من طاعة امام لقي الله يوم القيامة لاحجة له.
وروى مسلم ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : الامام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به.
وقال (صلى الله عليه وسلم) : الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ، قالوا لمن يارسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ، ثم ظهر لقب (خليفة) اثر انتقال النبي صلى الله عليه وسلم واقبال الصحابة على من يخلفه في رئاسة المسلمين وقد استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم ، قال تعالى : يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض.
وقد كثرت تعاريف علماء المسلمين للخلافة منها : ما قاله ابن خلدون في مقدمته : هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة اليها.
وعرفها الماوردي بقوله : بانها خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بها واجب.
وعرفها التفتازي : بانها رياسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة احمد بن محمد المقري : قال بعضهم ولايقال خليفة الله بالاضافة الا لآدم ، وداوود لورود النص بذلك ، وقيل يجوز وهو القياس لان الله تعالى جعله خليفة كما جعله سلطانا ، وقد سمع سلطان الله ، وجنود الله ، وحزب الله ، وخيل الله.
ولكن المسلمين لم يستعملوا هذا التعبير ((خليفة الله)) ولم يخاطبوا به احد من الخلفاء ولايجوز استعمال هذا التعبير واشباهه لخطورة النتائج التي تتولد عنه حتى اننا لم نسمع احدا من الصحابة رضوان الله عليهم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بانه خليفة الله بل هو رسول الله فكيف يجوز ان يوصف من هو دونه. والصحيح عند جمهور الفقهاء انه لايقال خليفة الله فقد قيل لابي بكر يا خليفة الله ، فقال : لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واطلق كذلك تعبير ((امير المؤمنين)) على الحاكم في الدولة الاسلامية وهو تعبير قد استعمله المسلمون منذ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
يقال ان بريدا جاء بالفتح من بعض البعوث ، ودخل المدينة وسال عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فسمعه المسلمون واستحسنوه واصبحوا يطلقونه على الخليفة عمر بن الخطاب ثم توارثه الخلفاء بعد ذلك.
ومما تقدم يتبين لنا ان القاب ((الخليفة)) و ((الامام)) و((امير المؤمنين)) هي القاب تعطي معنى واحدا وهو اسم للحاكم في الدولة الاسلامية وهذه الرئاسة ليست وراثية وانما اختيار الخليفة شورى واختيار دون استبداد او اجبار.
يقول العلامة الشهرستاني :واعظم خلاف قام بين الامة خلاف الامامة اذ ما سل سيف في السلام على قاعدة دينية مثلما سل على الخلافة في كل زمان.
ويقول ابو حسن الاشعري : اختلف الناس بعد نبيهم في اشياء كثيرة فصاروا فرقا متباينين الا ان الاسلام جمعهم واول ماحدث من اختلاف بين المسلمين بعد نبيهم اختلافهم في الامامة.
طبعا هذا اخواني موضوع خطير والكاتب اخذ بعد ذلك يفصل خطورة هذا الموضوع لكني لم اقم بالنقل لانه ليس موضوعنا بالذات وجوب اتخاذ الخلافة لنبقى بالدولة ، واني هماتين ركبتي انكسرت من الكتابة.
الركن الثاني : الشعب :
فوجود الشعب او السكان هو الشرط الاساسي لوجود الدولة ، اذ لا يعقل ان تكون هناك دولة من غير الافراد او الجماعة البشرية التي تكون شعب هذه الدولة.
والشعب : مجموعة افراد من الذكور والاناث يقيمون بصفة دائمة على ارض الدولة.
اما الشعب بالمفهوم القانوني : فهو كل من يرتبط بالدولة برابط التبعية او الجنسية والتي من شانها انشاء التزامات متقابلة بين الفرد والدولة ويسميهم الدكتور عبد العزيز سرحان الوطنيين وهم الافراد الذين تربطهم بالدولة رابطة قانونية و سياسية تعرف بالجنسية.
ولا يعتبر كل من يقيم على ترض الدولة من رعاياها فقد يقيم في الدولة مع الوطنيين اغراب ليسوا من اهلها ، والجنسية هي المعيار الذي يميز الوطني عن الاجنبي ، ولذا درجت الدول على ان تصدر قانونا داخليا يسمى بقانون الجنسية الذي يحدد الوطنيين ويميزهم عن الاجانب.
ولا يشترط في الشعب ان يكون منحدرا من سلالة واحدة او من جنس واحد ، لان هذا غير ممكن في العصر الحديث لازدها حركة الهجرة بين البلاد مما يتعذر معه تكوين شعب من سلالة واحدة ، وكذا لا يشترط عدد معين في شعب الدولة فقد يكون الشعب كبيرا وقد يكون صغيرا.
واما الامة فهي جماعة من الناس تجمعهم وحدة نفسية ، واهداف مشتركة ويرتبطون فيما بينهم بعدة عوامل يختلف عددها واهميتها باختلاف كل جماعة كوحدة اللغة والتاريخ والثقافة والارض.
اما تعريفها بالمفهوم القانوني فهي مجموعة من الافراد نشا بينهم شعور مشترك وتجمعت ارادتهم واتجهت الى العيش معا ورغبوا وعملوا في اتجاه واحد الى مصير مشترك.
ولا يشترط في الامة الواحدة ان تكون منها دولة واحدة اذ كثيرا ما نجد امة مقسمة الى اكثر ن دولة بفعل عوامل خارجية عن ارادتها كالامة العربية.
ما ذكرناه سابقا هو مفهوم الشعب والامة في القوانين الوضعية المعاصرة اما الاسلام فقد جاء بمفهوم جديد وباطار جديد للشعب والامة.
فالشعب في الدولة الاسلامية يتكون من طائفتين رئيسيتين:
الطائفة الاولى : المسلمون .
الطائفة الثانية : غير المسلمين.
الركن الثالث : الاقليم :
يجب لوجود الدولة ان يستقر الافراد على رقعة من الارض يطلق عليها اسم اقليم ، وبدون الاقليم لاتنشأ دولة ، فوجود جماعة من الافراد مهما كان عددهم ومهما كان ارتباطهم واتحادهم ببعضهم البعض لا يكفي لنشوء الدولة مالم تستقر هذه الجماعة على رقعة معينة من الارض.
ويقصد بالاقليم مساحة من الارض تمارس عليها الحكومة صلاحيات تامة ، ويعرف الاقليم بانه : ذلك الجزء المحدد من الكرة الارضية الذي يخضع لسيادة الدولة.
ولا اهمية لمقدار تلك المساحة وطبيعتها ، ولكنه يشترط ان يكون هناك اقليم ثابت ، والاقليم يشمل الاقليم البري وما يتخلل هذا السطح من انهار او بحيرات وما يحيط به من بحار او محيطات ، كما يشمل ما يعلو الاقليم الارضي ، وهذا يشمل الاقليم الجوي.
واقليم الدولة قد يكون متصلا ببعضه البعض ، كما قد يكون مجزءا تتوسطه بحارا او دولا اجنبية – كباكستان قبل الانفصال والمانيا قبل عام 1940 – كما قد يكون اقليم الدولة فسيحا يتكون من ملايين الكيلومترات ، وقد يكون ضيقا لا يشمل الا رقعة ضيقة من الارض.
وتفصل كل دولة عن الاخرى حدود لها اهمية كبيرة ، اذ عندها تمارس الدولة صاحبة الاقليم سيادتها وسلطانها ، وتنتهي عندها سيادة غيرها من الدول بحيث لا يجوز لاي دولة ان تمارس مظاهر سيادتها الا وراء حدودها حيث تبدا بعدها سيادة الدول الاخرى.
هذا هو مفهوم الاقليم في نظر الدول المعاصرة ، اما في نظر الاسلام فقد اعتبر الاقليم اقليما اسلاميا اذا طبق عليه حكم الاسلام ، فالاقليم او الدار حسب اصطلاح علمائنا ياخذ حكم ما طبق عليه من انظمة ، يقول السرخسي : والحاصل عند ابي حنيفة رحمه الله تعالى انما تصير دارهم دار حرب بثلاث شرائط :
- احداها : ان تكون متاخمة ارض الشرك ليس بينها وبين ارض الحرب دار للمسلمين.
- والثاني : ان لايبقى بها مسلم آمن بايمانه ولا ذمي آمن بامانة.
- والثالث : ان يظهروا احكام الشرك فيها.
وعن ابي يوسف ومحمد رحمهما الله اذا اظهروا احكام الشرك فيها فقد صارت دار حرب لان البقعة تنسب لنا او لهم باعتبار القوة او الغلبة ، فكل موقع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الاسلام فالقوة فيه للمسلمين.
ولقد اشار القرآن الكريم الى الاقليم او الدار باعتبارها مقترنة مع الدين والقائمين بامر الدين وذلك في قوله تعالى : ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون)) ، فقرن القتال في الدين بالاخراج من الارض والديار.
وقد جعلها الله في اية اخرى مسوغة للقتال قال الله تعالى : ((قالوا ومالنا ان لانقاتل وقد اخرجنا من ديارنا)).
فكل ارض طبق عليها الاسلام تعتبر اقليما اسلاميا وعلى الدولة حمايتها بالقوة والسلاح ورد كل اعتداء عليها ، وعلى افراد الاقليم الاسلامي كذلك الدفاع عنه وهو فرض ديني عليهم.
ويسكن الاقليم الاسلامي المسلمون والمعاهدون الذين قبلوا المواطنة تحت حكم الدولة الاسلامية.
الركن الرابع : تحكيم الاسلام :
اما الدولة الاسلامية فانها تقوم على كيانين / الاول مادي ويشمل الشعب والسلطة والاقليم ، والثاني روحي ويتمثل في مجموعة القواعد والاحكام المتعلقة بالعقيدة والتشريع التي فرضها الشارع ، وهذا الكيان ليس كيانا مستقلا بذاته بل يكون مع الكيان المادي بناء متمسكا متميزا يسمى الدولة الاسلامية.
والدولة الاسلامية تتميز بانها دولة قرآنية اي انها خاضعة للقرآن وهو الكتاب الذي انزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن هو دستور الدولة الاسلامية الاعلى يحكم تصرفاتها ويحدد حقوقها وواجباتها بصفة عامة ويرسم لها الخطوط والمناهج العامة التي لا يصح لها ان تتعداها ويدع لها ما دون ذلك من المناهج والتفصيلات.
والقرآن الكريم سبق المجتمع والدولة ، فقد وجدت الدولة لتطبيق هذا الشرع السماوي فاذا اخفقت الدولة في تطبيق هذا الشرع فانها تفقد علة وجودها.
وقيام الدولة الاسلامية من حيث اساسها التكويني على القرآن الكريم يجعل لها وضعية متميزة بين اشكال الدول في المجتمعات السياسية الاخرى ، وبمقتضى ذلك لا يجوز لنا عند البحث عن طبيعة الدولة في النظام الاسلامي ان نشبهها او يطلق عليها وصفا او اصطلاحا من الاوصاف او الاصطلاحات التي تعارف عليها واضعوا القانون الوضعي كالديمقراطية او الاشتراكية او الراسمالية او غير ذلك.
ووفقا لما سبق نقول ان الحكومة الاسلامية فريدة في نوعها متميزة عن غيرها ، وانها تختلف عن كل حكومة موجودة في العالم الان وعن كل حكومة وجدت من قبل ، فهي مقيدة باتخاذ القرآن دستورا لها وملزمة بالنزول على احكامه ، فهي بذلك ليست من الحكومات المستبدة كما انها ليست من الحكومات القانونية لان الحكومات القانونية تخضع لقوانين وانظمة يضعها البشر ، وهم متاثرون باهوائهم وشهواتهم.
ولقد حاول البعض ان يطلق على النظام الاسلامي اسماء حديثة وظنوا ان في ذلك تعزيزا لامر السلام واعلاء لشانه ، من ذلك انهم اطلقوا على الدولة الاسلامية اسماء الديمقراطية والاشتراكية والامبراطورية وحكومة رجال الدين ، وهناك ملاحظات يبدو ان الواجب توجيه النظر اليها :
1- ليس مما يرفع شان الاسلام ان تطبق عليه مثل هذه الاسماء لا ن الدولة الاسلامية كما ذكرنا لها نظام متميز مستقل ولها انظمتها في السياسة والحكم وما تستطيع ان تفاخر به سائر الانظمة التي عرفها الانسان.
2- اذا حدث ان اتفق النظام السياسي الاسلامي مع هذا النظام او ذاك فليس معناه ان يكون الاسلام هو هذا النظام او ذاك ، فاذا اتفق النظام السياسي الاسلامي مع النظام الديمقراطي فلا يصح ان نقول ان النظام الاسلامي نظام ديمقراطي لان الديمقراطية مالايتفق مع مبادئ الاسلام.
واذا كان النظام الجمهوري يشبه النظام الاسلامي من حيث اختيار الرئيس الاعلى للجمهورية فانه لايوجد اي نظام جمهوري يسمح بانتخاب رئيس الدولة مدى الحياة كما يسمح النظام الاسلامي.
وكذلك اطلق بعض الكتاب على النظام الاسلامي اسم الاشتراكية الاسلامية وما يقال بالنسبة للديمقراطية يمكن ان يقال بالنسبة للاشتراكية ، فاذا كان القصد ان النظام الاسلامي نظام اشتراكي كامل فان هذا القول مرفوض لان الاشتراكية مصطلح حين يطلق يقصد به نظرة خاصة للكون والحياة والاسلام يخالف الاشتراكية لان له نظرة خاصة به للانسان والكون والحياة.
وعلى ذلك فالدولة الاسلامية ليست دولة ديمقراطية او اشتراكية او راسمالية وانما هي في كلمة موجزة وحاسمة ((دولة اسلامية)) ولايجوز ان نطلق عليها سوى هذا الاصطلاح.
اخواني اي خطأ املائي اعذروني عليه ونبهوني
الحمد لله